المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
لماذا نؤيد إلغاء قانون قيصر؟

لماذا نؤيد إلغاء قانون قيصر؟

لماذا نؤيد إلغاء قانون قيصر؟
معاناة الشعب السوري تحت وطأة العقوبات

 

 

بقلم د. محمد خير الوزير ، كاتب وباحث وأكاديمي سوري


باختصار: في أواخر 2025 — بما في ذلك في مشروع
 National Defense Authorization Act for Fiscal Year 2026) NDAA 2026) في الولايات المتحدة — هناك تحركات رسمية نحو إلغاء Caesar Syria Civilian Protection Act (قانون قيصر) الذي فرض عام 2019 عقوبات اقتصادية على سوريا. 

 

 ما يجب أن تعرفه عن قانون قيصر

  • قانون قيصر فرض عقوبات واسعة على الحكومة السورية السابقة — أشخاصًا، شركات، وقطاعات استراتيجية مثل النفط والطاقة والبناء وغيرها — بسبب ما وثّقه مصوّر تحت اسم “قيصر” من جرائم حرب وتجاوزات بحق المدنيين. 
  • العقوبات لم تستهدف فقط النظام، بل أيضاً أي كيان أو دولة تتعامل معه، ما أعاق إعادة إعمار سوريا، استثمار أجنبي أو عربي، وتقديم مساعدات إنسانية. 

 

لماذا التعديل على قانون الدفاع الأمريكي قد يغيّر كل شيء

  • في 2025، أدرج مشرّعون من الحزبين — جمهوريين وديمقراطيين — بندًا داخل NDAA 2026 يقضي بإلغاء قانون قيصر. 
  • بوجود هذا البند، فإن أي تشريع منفصل مثل H.R.3941 لن يكون مجدياً إذا مرّ تعديل إلغاء قيصر ضمن قانون الدفاع، لأنه سيصبح مكرّراً. 
  • هناك أيضاً مشروع في مجلس الشيوخ S.2133 يدعو إلى إلغاء القانون، ما يدل على أن هناك زخمًا تشريعياً واسعًا. 

 

 ⚠️ ما زالت الطريق محفوفة بعد

  • رغم أن مجلس الشيوخ أقرّ تعديل إلغاء القانون ضمن مشروع الدفاع، فإن الإلغاء النهائي لا يصبح نافذًا إلا بعد أن يوافق عليه مجلس النواب وأخيراً يوقّعه الرئيس الأميركي. 
  • بعض الأصوات داخل الكونغرس حاولت ربط الإلغاء بشروط — أي أن يضمن أن الحكومة السورية الجديدة تراعي حقوق الأقليات، لا ترتكب أعمال عدوان أحادية، وتلتزم بمكافحة الإرهاب ــ مما قد يضيف تعقيدات لاحقًا. 
  • حتى الآن، المنظمات التي عملت على دعم إلغاء القانون تؤكد أن عملية إسقاط قانون قيصر كاملة لم تُكتمل بعد — فهي ما زالت تنتظر نتائج مفاوضات مصالحة بين مجلسَي الكونغرس الأميركي. 

 


لماذا نؤيد إلغاء قانون قيصر؟

معاناة الشعب السوري تحت وطأة العقوبات

منذ إقرار قانون قيصر الأمريكي عام 2019، الذي فُرض ostensibly لمعاقبة النظام السوري على جرائمه، لم يُحقق القانون هدفه المعلن في إضعاف النظام المجرم أو تغيير سلوكه. بل على العكس، كان الضحية الأولى والأكبر لهذه العقوبات هو الشعب السوري بكل فئاته. فقد شهدت سوريا خلال السنوات الماضية تدهورًا اقتصاديًا ومعيشيًا غير مسبوق؛ ارتفعت الأسعار وانهارت العملة، وازدادت معدلات الفقر بشكل حاد، دون أن يرى السوريون أي تغيير إيجابي في سياسات النظام المستبد الذي استمرت ممارساته القمعية. حتى أن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع صرّح أثناء زيارته الأخيرة لنيويورك بأن العقوبات المفروضة على القيادة السابقة لم تعد مبررة، وبأن السوريين باتوا يرونها إجراءات تستهدفهم بشكل مباشر. وهذا التعبير يُجسد حقيقة مرة عاشها المواطن السوري يوميًا تحت ثقل العقوبات التي لم تطل جلاديه بقدر ما طالت لقمة عيشه وحاجاته الأساسية.

عقوبات تعيق الإغاثة وإعادة الإعمار

لم تقتصر آثار قانون قيصر على زيادة معاناة الناس في معيشتهم اليومية فحسب، بل تعدتها إلى عرقلة جهود الإغاثة الإنسانية وإعادة إعمار ما دمرته الحرب. فمنذ سريان هذه العقوبات في يونيو 2020، بات إيصال المساعدات الدولية وإعادة تأهيل البنية التحتية مهمة شبه مستحيلة. تشير تقارير أممية إلى أن قرابة 70% من السوريين بحاجة إلى مساعدات إنسانية بسبب تدمير البنى الأساسية، وإلى استحالة عودة الإعمار تقريبًا في ظل تأثير العقوبات الأمريكية والامتثال المفرط لها من قِبل المؤسسات الدولية. لقد وضعت العقوبات البلد في حالة شلل اقتصادي خانق مع انعكاسات خطيرة على مختلف جوانب حياة السوريين؛ فهي تغطي طيفًا واسعًا من المعاملات وتحظر استيراد مواد وتقنيات أساسية حتى تلك المستخدمة في قطاعات المياه والصرف الصحي والصحة، بحجة تجفيف منابع النظام.

إن الواقع على الأرض أثبت أن هذه الإجراءات العقابية الواسعة أضرّت بجهود الإغاثة بالقدر نفسه الذي أضرّت فيه بالاقتصاد. فالمنظمات الإنسانية العاملة في سوريا وجدت نفسها أمام تعقيدات بيروقراطية ومخاوف قانونية أخّرت وصول الغذاء والدواء للمحتاجين. كثير من المصارف الدولية باتت تتجنب تحويل الأموال إلى سوريا خوفًا من انتهاك العقوبات، ما أدى إلى صعوبات في تمويل عمليات الإغاثة ودفع رواتب العاملين الميدانيين. وحتى بعد كارثة زلزال فبراير 2023 التي فاقمت المأساة، لم تفلح الوعود الغربية بإعفاءات مؤقتة في تبديد تردد الشركات والجهات المانحة، حيث ظلت القيود القانونية تعرقل تدفق المعونات وإعادة تأهيل ما تهدم. وهكذا تحوّل قانون قيصر من أداة يفترض أن تستهدف النظام إلى عقبة كأداء أمام تعافي سوريا وإنقاذ حياة السوريين.

فتح أبواب الاستثمار والتعاون العربي

إن إلغاء قانون قيصر اليوم لا يُعد مجرد خطوة قانونية، بل هو باب أملٍ ينتظره السوريون لبدء صفحة جديدة من الإعمار والتعافي الاقتصادي. فبعد أكثر من عقد من العزلة العربية، شهدت السنة الأخيرة انفتاحًا عربيًا متسارعًا تجاه دمشق تمثل بعودة سوريا إلى الجامعة العربية واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار. وقد أبدت الدول الشقيقة رغبة صادقة في دعم سوريا للخروج من أزمتها، تجسد ذلك بسعيها للاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتنمية حالما تُزال العقبات الدولية. على سبيل المثال، أعلنت شركات سعودية كبرى استعدادها لضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد السوري ضمن توجه المملكة لدعم تعافي سوريا، إلا أن العقوبات الأمريكية شكلت العائق الأكبر أمام هذه الخطط. وقد وصف رئيس مجلس الأعمال السعودي-السوري هذه العقوبات بأنها «آخر قيد يخنق الاقتصاد السوري»، مشيرًا إلى أنه رغم إمكانية إطلاق استثمارات كبيرة، يبقى تحريك رؤوس الأموال أمرًا بالغ الصعوبة في ظل القيود الراهنة. وهذا الكلام يلخص واقعًا معروفًا: فلا انتعاش اقتصاديا حقيقي في سوريا دون رفع القيود عن تدفق الأموال والاستثمارات.

إن الأشقاء العرب مستعدون اليوم أكثر من أي وقت مضى للوقوف إلى جانب سوريا وشعبها. وقد شهدنا توقيع دمشق لمذكرات تفاهم مع شركات من الخليج (قطر والإمارات وغيرها) في مجالات الطاقة والبنية التحتية، إلا أن الأموال لم تتدفق فعليًا بالقدر المأمول بسبب العقوبات وتداعياتها على القطاع المالي السوري. كما أعلنت المملكة العربية السعودية في يوليو الماضي عزمها على استثمارات تفوق قيمتها 6 مليارات دولار في سوريا، توزعت على قطاعات حيوية كالعقارات والبنية التحتية والاتصالات. هذه المؤشرات الإيجابية تبين أن نافذة الفرص الاقتصادية مفتوحة لسوريا بفضل الانفتاح العربي، لكنها ستظل محدودة الفعالية ما دام قانون قيصر جاثمًا على صدر الاقتصاد السوري. وبالتالي، فإن إلغاء هذا القانون سيكون الشرط الحاسم لإطلاق عجلة الاستثمار العربي والأجنبي في البلاد، وتأمين الموارد اللازمة لإعادة الإعمار وخلق فرص عمل لملايين السوريين. ولعل التفات الولايات المتحدة أخيرًا لهذا الأمر وإبداءها الاستعداد لتخفيف القيود هو دليل على إدراك الجميع بأن مرحلة التعافي تتطلب التعاون لا العزل.

تحول في الموقف الأمريكي والدولي

لم يكن الحديث عن إلغاء قانون قيصر ممكنًا قبل سنوات، إذ تمسكت الإدارات الأمريكية السابقة بالعقوبات كأداة ضغط سياسي. لكننا اليوم أمام تحول ملحوظ في موقف واشنطن itself: فالكونغرس الأمريكي نفسه بات يدرك حقيقة فشل هذه المقاربة، وتجلى ذلك في إدراج إلغاء قانون قيصر ضمن مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA 2026) . فقد أظهرت مسودة الوثيقة المسربة من أروقة الكونغرس استعدادًا لرفع تلك العقوبات القاسية عن سوريا، مع اشتراط إجراءات رقابية لضمان استمرار الحكومة السورية في النهج الصحيح. وينص المقترح الأمريكي على إلزام الرئيس بتقديم تقارير دورية (كل 90 يومًا ثم كل 180 يومًا على مدار 4 سنوات) إلى اللجان المختصة في الكونغرس لتأكيد أن سوريا تلتزم بجملة من الشروط. هذه الشروط تشمل مكافحة التنظيمات الإرهابية بجدية، واحترام حقوق الأقليات، والامتناع عن أي أعمال عسكرية عدوانية أحادية ضد دول الجوار، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلاً عن ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في عهد النظام السابق، والتصدي لتجارة المخدرات. بمعنى آخر، تربط الولايات المتحدة بين إنهاء العقوبات وبين استمرار الحكومة السورية الجديدة في اتباع نهج يضمن الأمن والاستقرار واحترام القانون. وفي حال أخلّت دمشق بهذه الالتزامات بشكل متكرر، فإن الباب مفتوح لإعادة فرض العقوبات خلال تلك الفترة الانتقالية. ورغم هذه التحفظات، يبقى الاتجاه العام في واشنطن واضحًا: طي صفحة قانون قيصر الذي أصبح بحكم الواقع عقبة قانونية تجاوزها الزمن.

من الجدير بالذكر أن هذه الانعطافة في موقف الكونغرس لم تأتِ من فراغ، بل سبقتها خطوات من الإدارة الأمريكية ذاتها. فقد أصدر البيت الأبيض بالفعل إعفاءات مؤقتة ومتجددة للعقوبات المفروضة على سوريا لأسباب إنسانية، وكان آخرها تعليق وزارة الخزانة تنفيذ عقوبات قيصر لمدة 180 يومًا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. كما طُرح في مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون مستقل (H.R.3941) يقضي بالإلغاء التام لقانون قيصر لعام 2019، حظي بدعم نواب من كلا الحزبين. كل ذلك يشير إلى إجماع متنامٍ داخل الولايات المتحدة على تغيير المقاربة المتبعة حيال سوريا، من سياسة الخنق الاقتصادي إلى سياسة الانخراط الإيجابي المشروط. ولعل ما سرّع هذه التطورات هو الواقع الجديد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد عام 2024 وتشكّل حكومة وطنية جديدة؛ فلم يعد هناك معنى للاستمرار في معاقبة شعب يريد النهوض من تحت الركام وبدء بناء دولة ديمقراطية تحترم القانون. لقد أصبح رفع العقوبات ضرورة ملحّة لتسهيل مهمة الحكومة السورية الجديدة وإعطاء الشعب السوري الفرصة التي يستحقها للعيش بسلام وكرامة.

خاتمة: العقوبات تضر الشعوب لا الأنظمة

لقد كنتُ شخصيًا من الرافضين لسياسة العقوبات منذ زمن النظام السابق، رغم إجرامه، لقناعتي بأنها تُؤذي الشعوب أكثر مما تُضعف الأنظمة. وتجربة قانون قيصر خلال السنوات الماضية جاءت لتؤكد صحة هذا الموقف؛ فالنظام لم يسقط تحت وطأة الحصار الاقتصادي، بل استمر في بطشه إلى أن أسقطته إرادة السوريين وتضحياتهم. وفي الأثناء، دفع المواطن السوري البسيط الثمن الأكبر من معيشته وصحته ومستقبل أبنائه. إن الوطنية الحقة تقتضي أن ننحاز إلى مصلحة الشعب أولًا وأخيرًا، ومصلحتنا اليوم تكمن في إنهاء العقوبات وفتح أبواب التعافي الاقتصادي. لقد عانى السوريون ما فيه الكفاية من الحرب والتشرد والفقر، وحان الوقت لالتقاط الأنفاس وبناء ما تهدّم. إن إلغاء قانون قيصر سيكون خطوة شجاعة في الاتجاه الصحيح؛ خطوة تكسر قيود العزلة وتعيد وصل ما انقطع بين الاقتصاد السوري ومحيطه العربي والدولي. وهي أيضًا رسالة بأن عهد العقاب الجماعي قد ولّى، لتحل محله شراكة عربية في إعمار سوريا واحتضانها ضمن أسرتها الإقليمية من جديد.

إننا كسوريين – شعبًا وحكومة – مدعوون اليوم إلى استثمار هذه الفرصة التاريخية. فمع الانفتاح العربي والدعم الدولي المتزايد، بإمكان سوريا أن تنفض غبار الحرب وتنهض من جديد. نعم، إلغاء العقوبات لن يكون عصا سحرية تحل كل المشكلات فورًا، لكنه الشرط الأول لبدء التعافي الاقتصادي الحقيقي. ومن دونه سنبقى ندور في حلقة مفرغة من الأزمات. فلنرفع صوتنا جميعًا مطالبين برفع هذا العبء عن كاهل السوريين، ولنفتح أبواب وطننا أمام التعاون العربي والاستثمار والتنمية. عندها فقط، يمكن أن نقول إننا وضعنا قدمنا على طريق التعافي، ورددنا لسوريا بعضًا من عافيتها وكرامتها التي تستحقها. لقد آن الأوان لتتوقف معاناة السوريين وليأخذ الشعب أنفاسه نحو حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا. 

المصادر:

【1】 الكونغرس الأمريكي – مشروع قانون رقم H.R.3941 لإلغاء “قانون قيصر” (تعريف بالمشروع وإحالته للجنة العلاقات الخارجية في 12 يونيو 2025) .

【2】 وكالة رويترز – تقرير حول إدراج إلغاء عقوبات “قيصر” ضمن ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2026 (8 ديسمبر 2025) .

【3】 وكالة رويترز – تصريحات الرئيس أحمد الشرع من نيويورك بشأن أثر العقوبات على الشعب السوري (22 سبتمبر 2025) .

【11】 Global Policy Journal – مقال: إعادة تقييم قانون قيصر في مرحلة ما بعد الأسد (13 يناير 2025) .

【4】 موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية – بيان الخبيرة الأممية ألينا دوهان حول أثر العقوبات على الوضع الإنساني في سوريا (22 فبراير 2024) .

【5】 وكالة الأناضول – الكونغرس الأمريكي يتجه لإلغاء “عقوبات قيصر” (8 ديسمبر 2025) .

【6】 وكالة رويترز (باللغة العربية) – شركات سعودية جاهزة لضخ مليارات في سوريا لكن العقوبات عائق (31 أكتوبر 2025) .

 

4.21 ميغابايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2025